الاثنين، 31 مارس 2014

كيف لها أن تنسى عينيه !


أخبرونى كيف لها أن تستيقظ ذات صباح فتمسك هاتفها تطلبه

فتستفيق على الجملة القاتلة " هذا الهاتف مغلق او .. "

وتتجمع الدموع فى عينيها وينفطر قلبها من جديد كل صباح

وكأن كل مرة كأول مرة ..

عامٌ ونصف , إنه عمرها .. فمنذ أن أصبحت " دبلته " تحلى يدها اليمنى

وهى تحسب عمرها الحقيقى ..

منذ أول يوم فى خطبتهما وقد تعاهدا على ألا يغضبا الله فى خطبتهما

فكان أول ما فعلته معه .. أن أحضرت ورقة طويلة وقلم

وكتبت " عاهدنى .. على ألا تلمس يداك يدى أبدا ولو بالخطأ

عاهدنى .. على ألا تسمعنى كلاما عذبا معسولا يغضب الله

عاهدنى .. على أن تكون خطبتنا كما أراد حبيبنا محمد - عليه الصلاة والسلام -

عاهدنى .. على أن تكون حكايانا مصانة عن ألسنة الناس

عاهدنى .. على أن تحفظنى وأحفظك إذا افترقنا ولم يكن النصيب فى صفنا "

نظر إلى كلماتها بعين ممتلئة بالاعجاب بأنه " ظفر بذات الدين " 

أمسك بالقلم وكتب لها " أعاهدكِ .. ولكن عاهدينى .. بألا تخضعى بالقول يومًا

لأنى بشرىٌ ولدى قلب يتقلب .. فلا تكونى عونا للشيطان على قلبى  "

دمعت عيناها وكتبت " أعاهدك .. "
..

مضى عام على خطبتهما وقد أصبح قلبيهما يتأجج بالمشاعر ولكن لا ينطقا

يحافظان على العهد الذى بينهما ويكتمان الحب فى قلبيهما ..

يوقنون بأنه " من استعجل شئٌ قبل أوانه عوقب بحرمانه " وهم 

يريدون " الحب " أن يدوم بينهما .. فكانا ينتظران بفارغ الصبر

أن يخط القلم  " عقدهما " كما خط يوما عهدهما .. 

 ..

أخبرها كتيرا عن أحلامه وشغفه بالتصوير الفوتوغرافى وأنه قد يسافر

هنا وهناك ليلتقط صورا لأى شئ .. 

أخبرها بأنه يتمنى بأن يدعو الناس للاسلام فى بلاد الغرب .. 

وأنه يشفق عليهم ويتمنى لو يزيح عنهم غم الحياة بنور الاسلام 

.. 

كانت تعشق حكاياه وتتمنى لو أنها تستطيع أن تخبره بأنها تحبه إذا اندمج فى حديثه

وإن كان جدا خالصا لا مزاح فيه .. 

وأنها تحبه إذا تلعثم فى بعض الحروف إذا نظرت إليه فجأة وهو يتحدث إليها ..

وأنها تحب حرف الراء منه .. ذاك الذى لا يكون أبدا " راء " منه

..

كثيرا ما تحدثا عن الوطن وكان دائما ما يقول لها " حب الأوطان من الإيمان "

وكانت تتمنى أن تقول له يوما .. بأن  " عينيهِ هما وطنها الخاص بها "

..

دارت الايام و انتفض الوطن وثارت الجموع وطفق الجميع يعلن

عن غضبته مما ساء فى الوطن من عصابة الفاسدين 

وكانا دائمين النزول فى الميادين مع الجموع 

كانت تسير مع صديقاتها كل يوم فى ذلك الميدان

وكان هو يغطى الاحداث دوما ويصورها 

هنا وهناك .. كان يتنقل بكل ما فيه من حماسة وحب لهذا  الوطن

لا يترك مشهدا إلا وله صورة فى كاميرته

..

أرسل لها ذات صباح على هاتفها .. 

" الميدان اشتاق إلي صوتك الثورى .. كما أخبرتك من قبل

حب الأوطان من الإيمان .. جددى نيتك خطيبتى ولتكملى مسيرة الوطن "

أرسلت له " سأنزل لأجل " وطنى " يا هذا .. ليس لك علىَ حكم بعد :P "

..
نزلا إلى الميدان , كل فى موقعه المعتاد 

هى تهتف , وهو يصور .. يذهب ويجئ عليها ليطمئن

تخبره بألا يأتى إليها وسط جموع النساء فهى تخجل ..

ولكنه كان يذهب إليها .. ويعتذر فى كل مرة دون ملل

..

صمت رهيب فى صفوف المتظاهرين , الكل يحاول أن يتبين ما هذه الأصوات

صوت الحجارة تدق على العواميد .. هذا إنذار الخطر

بدأ الخوف يتسلل إلى القلوب ولكن تعلو الهتافات 

" اثبت مكانك , احمى ميدانك "

خافت على وطنها .. وطنها المستقبلى 

أمسكت هاتفها , وجدته يتصل , أجابت بسرعة

" انت فين ؟ " .. رد عليها " انتى اللى فين ؟ .. لازم تمشى دلوقتى

الداخلية بتضرب بالرصاص .. احنا بنحاول نبعد الغاز عنكم .. بس القناصة فى كل 

مكان .. أنا مش عارف أحميكى , أرجوكى لازم تمشى "

أصابتها " غصة " من كلماته فلأول مرة تحس بأن صوته يحمل خوفا وعجزا

ردت عليه " لو هنمشى .. نمشى سوا , يلا مستنياك تيجى تاخدنى " 

رد عليها وقد عاد المرح إلى صوته قليلا " ونمشى احنا الاتنين سوا من غير محرم , لا ياستى

يفتح الله , انا شكلى اتضحك عليا فى الخطوبة دى " 

كادت أن تضحك ولكن خوفها غلب على صوتها وقالت له " خلاص هنفضل احنا الاتنين .. "

رد عليها وقد يئس من اقناعها " طيب .. أستودعك الله " 
..

فى اخر صفوف النساء كان المستشفى الميدانى , متصل بطريق يخترق صفوف النساء

لينقل المصابين  من الصفوف الاولى والشهداء

كانت تجرى هنا وهناك وقلبها يكاد ينخلع وهى ترى كل هذه الدماء على أرض المشفى

كانت تحاول أن تساعد الأطباء بأى شئ ..

ترى الوجوه المتوجعة فتزداد وجعا وخوفا .. على " وطنها " 

للمرة العاشرة تحدثه على الهاتف فيجيبها " هذا الهاتف مغلق أو .. " 

تحدثها نفسها بأن هناك خطب ما , ولكن تكذب قلبها فهى فى المستشفى الميدانى 

بالفعل وان كان اصابه أذى فسوف تراه هنا ..

لم تلبث فى التفكير طويلا حتى لمحت لونا تعرفه حق المعرفة 

قميصه الكحلى .. 

قميصٌ كحلى , عليه رأسٌ متفجرة , ودماء كالسيل الجارف , و ..

كانت صرختها تمزق الأفئدة , إنه هو ..

كانت تصرخ " مـــــــات وطنـــــى " " مــــــــات وطنــــــى " 

أين عيناه .. أين رأسه .. بالله عليكم أخبرونى 

لا أريد إلا جثمانا أستطيع النظر إليه .. 


و .. مات قلبها
..

مات وطنها وكانت تتمنى يوما أن تخبره بأن عينيهِ هى وطنها

لو أنها أخبرته .. :(

لو أنه ما غادر وتركها .. 

كانت تعد الأيام يوما بعد الاخر لتبوح له بهذه الكلمة التى 

منعها خوفها من الله أن تخبره إياها ..

من تخبر الآن بأنها تحبه وتعشقه وتريده وتتمنى أن تختفى بين أحضانه

من يعيد لها .. وطنها ؟

..
يتوقعون يوما أن تنساه وأن تمضى ..

هم لا يعرفون ,, لا يدركون كيف لقلب تحمل عام ونصف حبا لا يستطيع أن يبوح به

واذا اقترب ميعاد البوح .. مات الحبيب

فصار الحب نارا تأكلها كل يوم .. 

يتوقعون أن تنسى " لحية " كانت تود أن تخبره يوما قول أمها عائشة " سبحان من زين وجوه

الرجال باللحى " ولكن منعها خوفها من الله أن يكون هذا خضوعا بالقول فتعين الشيطان على

قلبه وتخلف العهد الذى عاهدها إياه ..

يتوقعون أن تقف على رجليها وتكمل حياتها فكلنا قد مررنا بالأزمات

ولكن أبدا لن يتفهمون .. أبدا لن يكفوا عن اللوم الخائب والكلام القاسى ..

قلبها مكلوم , وعينيها لا تنسى عيناه , تتبينها فى كل شئ , فى كل طريق

فى كل صورة , فى كل قلب رجل شجاع

...

ليت حكايانا " خيالية " ولكنها أقل القليل فى واقع أمر بكثير من هذى الكلمات